الخميس، 1 يناير 2009

3-مالايجيىء

من الامور الجميلة حقاً فيما يخص التحاق المرء بكلية الطب هي أن المحيطين به يعتبرونه طبيبا حقاً فور التحاقه بالكلية ...لا...بل فور وصول خطاب التنسيق الذي يبشره بالقبول بالكلية ، هذا الأمر يضفي علي المرء شرفاً لا شك فيه ، فلا أحد يناديه إلا بيا "دكتور" ...فال"دكتور" ذهب إلي الكلية ،أو "الدكتور" عاد منها،و"الدكتور" ذهب إلي محل البقالة، أو "الدكتور" اشتري الصحف ...باختصار تصير كلمة دكتور علماً عليك لا يمكن لأحد أن ينطق باسمك إلا مقروناً بهذه اللفظة الفخيمة، ولن يمر وقت طويل حتي تجد أحد أقاربك يميل عليك متسائلاً عن الصداع الذي يؤرقه ،وآخر يستفسر عن مشكلة الضغط المزمنة لديه ، بينما تسأل احدي معارفك عن علاج ناجع لإزالة الهالات السوداء حول عينيها،وستحاول أنت أن تكون دبلوماسياً قدر الإمكان وستظل تلف وتدور حول اجابة واحده: اذهب ـ أو اذهبي ـ الي الطبيب المختص ! فيسألونك وماذا تكون انت ؟ فتبتسم في حرج وتحاول التنصل من الموقف السخيف بأن تقول ـ مثلاً ـ انك لم تدرس الجلدية بعد ،أو أن مشكلة الضغط ليست يسيرة الي هذا الحد وتحتاج الي طبيب متخصص لتحديد العلاج المناسب ......لن يخلو الأمر طبعاً في بعض الأحيان ممن يلمزك أو يشكك في كفاءتك انت تحديداً ، المشكلة الحقيقية ههنا هي أنه لن يكون مخطئاً في أغلب الأحوال !
طيلة سنين الطب الطويلة يظل المرء منتظراً ان يكون مؤهلاً ـ حقاً ـ كي يكون طبيباً : في البداية يقولون له : لم العجله؟! انت ما زلت في سنينك الأولي وليس مطلوباً منك سوي أن تتقن دراستك الأكاديمية بالأساس ، فتقول : حسناً ! ان هي الا فترة بسيطة ثم ستبدأ الدراسة العمليه ، ثم تأتي الدراسة العملية فتجد أن دروس العملي ليست في حقيقة الامر سوي معلومات نظرية بشكل او بآخر وانها لا تحمل من "العملي" غير الاسم ، واذا توفر المريض الذي يمكنك ان تفحصه فستجد ان امامك طابور طويل من زملائك يريد ـ مثلك بالضبط ـ ان يفحص المريض ، وانه عندما يحين دورك يكون المريض قد اصابه الملل والضيق من كل هؤلاء "العيال" الذين لا يكفون عن "التفعيص" في جسده .
يقولون لك ـ وما أكثر ما يقولون ـ : لم العجله؟! اذا كنت لا تستطيع الآن ان تتعلم الطب علي اصوله فأمامك سنة الامتياز!سنة طويلة عريضة ستمر فيها علي كل الأقسام تقريبا وستتعلم وقتها كل ما تريد ان تتعلمه، فتقول: حسناً!ان هي الا بضع شهور وينهي المرء سنين الدراسه ومن ثم يبدأ عام الامتياز السعيد !
ثم يأتي عام الامتياز !...
لن يمر عليك وقت طويل حتي تكتشف انه من الممكن للغاية ان تظل قابعا في بيتك طيلة العام دون ان يسأل عنك احد ، وأن أقصي ما يكن ان يحدث ـ في اقسام بعينها ـ هو خصم بضعة جنيهات من مرتب الامتياز الهزيل اصلا
لن يمر عليك وقت طويل ايضا قبل ان تكتشف انك كطبيب امتياز غير مرغوب في وجودك في معظم الاقسام ،فالطبيب المقيم "النائب" غالبا هو علي درجة من المشغولية لا تسمح له ب"ترف" أن يعلمك شيئا باختصار انت لا تمثل له أكثر من التعطيل ..
يوجد مكانين وحيدين يمكن للمرء فيهما ان يتعلم شيئاً ما : مستشفي الأطفال ومستشفي الطوارىء.
والسبب ببساطة يكمن في أن معدل دخول المرضي أكثر بكثير من ان يتحمله النائب فيضطر لتكليف اطباء الامتياز ببعض المهام كي يتخفف من اعبائه ، هذا الامر يضعك في تحد شديد القسوة ، إما أن تفحص المرضي وتكتب لهم العلاج وانت لا تملك الخبرة الكافية وهذا يعني عشرات الأخطاء المخجله مع ما يعنيه ذلك ايضاً من زيادة خبرتك ، أو ان تؤثر السلامة فتترك الامر برمته "وملعون ابو الطب عاللي عايزينه!"
هذه هي المسأله الكل سيسميك طبيبا لكنك في الواقع ولزمن ليس بالقصير لن تكون كذلك...