حاولت بعد أن مرت سنوات الطب كلها ان أحدد ما إذا كانت سنوات الطب سعيدة أم لا فلم أستطع أن أصل إلي نتيجة محددة ...
لا يمكنني الجزم حقاً ، مرت بي في أثناء الكلية أوقات عصيبة كما مرت بي أوقات سعيدة كما مرت بي أوقات لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء!
يمكنني أن أقول أنني كنت سعيداً عندما استلمت خطاب التنسيق وتيقنت من التحاقي بكلية الطب ، كما أنني لا أستطيع أن أنكر أن شعوراً بالزهو ملأني عندما ارتديت المعطف الأبيض لأول مرة ...
لكنني ـ برغم كل شيء ـ كنت في منتهي البؤس بعد أن "راحت السكرة ....وجاءت الفكرة" وأدركت أن الدراسة لن تكون سهلة بأي حال وأنني إلي حد ما قد "تورطت"...
سعدت جداً بأول امتياز حققته ...،كما حزنت جداً عندما فشلت في المحافظة عليه ....
عندما أشاد بي أحد أساتذتي في أول امتحان شفوي أخوضه كان شعوري لا يوصف ،كنت فرحاً ...أكاد أطير ..، كما أن شعوراً مزلزلاً بالضياع اجتاحني عندما وبخني أستاذ آخر في امتحان شفوي آخر ، فيما تلا ذلك من السنوات خفتت تلك المشاعر الحادة ،بعد ذلك لم يعد المرء يفرح للغاية أو يحزن للغايه خاصة بعد أن أدركت أن امتحانا وحيدا ربما لن يكون مؤثرا إلي هذه الدرجة ، وأن إجادة المرء في الامتحان الشفوي قد لا تعتمد بالضرورة علي درجة مذاكرته بل ربما تتدخل فيها عوامل أخري منها مزاج الممتحن نفسه وقابليته لأن يسأل الطالب في "المنهج المتعارف عليه" إذا جاز التعبير ، فالعلوم الطبية شديدة الضخامة والاتساع وإذا ما أراد الممتحن أن يسأل سؤالا هو علي يقين بأن الطالب لن يستطيع الإجابة عليه فلا يوجد ما يمنعه ، ومنها أيضا مزاج الطالب، قد يؤدي الإفراط في القلق إلي شل عقل المرء فلا يستطيع الاجابه علي اسئله شديدة التفاهة ...الخلاصة أنه لا يمكن للمرء أن يضمن أي شيء في هذا المجال..
كنت سعيدا جدا في تلك الاوقات التي تظهر فيها فتاتي أمام ناظريّ ، شيء ما عجيب كان يجعل كل التفاتة تلتفتها ..وكل حركة تتحركها ..وكل ابتسامة تبتسمها.. وكل انتباهه ..وكل نظرة ..وكل عبسة ..وكل تثاؤبة ..او حتي نظرة شرود أو خمول ..شيئاً مقدساً جديراً بالتبجيل والإجلال ، هذا الشيء اسمه الحب..
وبنفس الدرجة كنت حزينا جداً عندما فشلت أن أتوج هذه المشاعر بالزواج "كانت لي عدة قصص حب انتهت كلها بالفشل الذريع"....
لست أذكر اسم الشاعر الذي قال بيتا للشعر مفاده أن احدهم عندما تركته حبيبته كاد يقطع شرايين معصمه وفي الصباح التالي عجز عن تذكر اسمها ! أيا من كان فهو صادق تماما...
أصدقاء المرء مثلا قد يكونون سببا للبهجه ، انهم يتحملون الهراء الذي لا ينفك المرء يلفظه ويستمعون دون تأفف الي شكاواك المتعدده والي أزماتك العاطفيه والعائليه وغيرها،كما انهم يحمون المرء من شعور شديد الايلام ....الوحده
ولكن الامور قد تدعو الي التوتر عندما يتسلل شيطان ما بينكم ليخبرك بأن فلانا علي سبيل المثال قد قاطعك اثناء الكلام اليوم لا لشيء إلا لكي يثبت انك علي خطأ ، وانه لطالما فعل ذلك وان الامر لا علاقة له بصحة ما تقول اوبخطئه لأنك ـ في الغالب ـ لا تخطيء ، وانما له علاقة بالحقد علي ذكائك وألمعيتك التي لا تباري، الحق أننا نحب أنفسنا جدا لدرجة اننا لا نتخيل أن أحدا يمكن ان يعارضنا لأننا بالفعل مخطئين بل لا بد أن في الأمر"إنّ"! لا بد انه الحقد أو الحسد أو أي سبب آخر عدا أن نكون مخطئين!
بقدر ما كنت مرتبكا في اول مره احتك فيها احتكاكا مباشرا مع المرضي ، بقدر ما كنت سعيدا جدا لأنني ـ أخيرا!ـ أصبحت أمارس فعل الطب!
عندما يدعو لك أحد المرضي يكون هذا أمرا مبهجا جدا ،وعندما تستمع إلي شكوى مريض فقير ميئوس من علاجه فإن هذا أمر يدعو إلي التعاسة ، احد الأطباء ـ لا أذكر من ـ قال ذات مرة انه من المهم ألا يكوّن الطبيب صداقات قوية مع مرضاه الميئوس من علاجهم وبرغم قسوة هذه النصيحة الظاهرة إلا أنني أحيانا ما أري فيها وجاهة خاصة أن الطبيب يدرك مع مرور الوقت أن الطب ليس كفئاً إلي الدرجة التي كان يتصورها وان الموت كثيراً ما يسخر منا...
كنت سعيداً جداً في يوم حفلة التخرج الذي أقامته النقابة لنا واجتاحني شعور غامض في أثناء تلاوتي لقسم الطبيب،شعور هو مزيج من الفرحة والخوف والقلق ، وبعد نهاية الحفل زال شعور الفرح وسيطرت علي مخاوفي : تُري ماذا بعد؟
الآن تري حقا لم لا يمكنني تحديد ما إذا كانت سنوات الطب سعيدة أم لا ولكنني ـ بعد كل هذه السنين ـ واثق من شيء واحد : أنا لم أندم أبدا علي دخول كلية الطب...
لا يمكنني الجزم حقاً ، مرت بي في أثناء الكلية أوقات عصيبة كما مرت بي أوقات سعيدة كما مرت بي أوقات لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء!
يمكنني أن أقول أنني كنت سعيداً عندما استلمت خطاب التنسيق وتيقنت من التحاقي بكلية الطب ، كما أنني لا أستطيع أن أنكر أن شعوراً بالزهو ملأني عندما ارتديت المعطف الأبيض لأول مرة ...
لكنني ـ برغم كل شيء ـ كنت في منتهي البؤس بعد أن "راحت السكرة ....وجاءت الفكرة" وأدركت أن الدراسة لن تكون سهلة بأي حال وأنني إلي حد ما قد "تورطت"...
سعدت جداً بأول امتياز حققته ...،كما حزنت جداً عندما فشلت في المحافظة عليه ....
عندما أشاد بي أحد أساتذتي في أول امتحان شفوي أخوضه كان شعوري لا يوصف ،كنت فرحاً ...أكاد أطير ..، كما أن شعوراً مزلزلاً بالضياع اجتاحني عندما وبخني أستاذ آخر في امتحان شفوي آخر ، فيما تلا ذلك من السنوات خفتت تلك المشاعر الحادة ،بعد ذلك لم يعد المرء يفرح للغاية أو يحزن للغايه خاصة بعد أن أدركت أن امتحانا وحيدا ربما لن يكون مؤثرا إلي هذه الدرجة ، وأن إجادة المرء في الامتحان الشفوي قد لا تعتمد بالضرورة علي درجة مذاكرته بل ربما تتدخل فيها عوامل أخري منها مزاج الممتحن نفسه وقابليته لأن يسأل الطالب في "المنهج المتعارف عليه" إذا جاز التعبير ، فالعلوم الطبية شديدة الضخامة والاتساع وإذا ما أراد الممتحن أن يسأل سؤالا هو علي يقين بأن الطالب لن يستطيع الإجابة عليه فلا يوجد ما يمنعه ، ومنها أيضا مزاج الطالب، قد يؤدي الإفراط في القلق إلي شل عقل المرء فلا يستطيع الاجابه علي اسئله شديدة التفاهة ...الخلاصة أنه لا يمكن للمرء أن يضمن أي شيء في هذا المجال..
كنت سعيدا جدا في تلك الاوقات التي تظهر فيها فتاتي أمام ناظريّ ، شيء ما عجيب كان يجعل كل التفاتة تلتفتها ..وكل حركة تتحركها ..وكل ابتسامة تبتسمها.. وكل انتباهه ..وكل نظرة ..وكل عبسة ..وكل تثاؤبة ..او حتي نظرة شرود أو خمول ..شيئاً مقدساً جديراً بالتبجيل والإجلال ، هذا الشيء اسمه الحب..
وبنفس الدرجة كنت حزينا جداً عندما فشلت أن أتوج هذه المشاعر بالزواج "كانت لي عدة قصص حب انتهت كلها بالفشل الذريع"....
لست أذكر اسم الشاعر الذي قال بيتا للشعر مفاده أن احدهم عندما تركته حبيبته كاد يقطع شرايين معصمه وفي الصباح التالي عجز عن تذكر اسمها ! أيا من كان فهو صادق تماما...
أصدقاء المرء مثلا قد يكونون سببا للبهجه ، انهم يتحملون الهراء الذي لا ينفك المرء يلفظه ويستمعون دون تأفف الي شكاواك المتعدده والي أزماتك العاطفيه والعائليه وغيرها،كما انهم يحمون المرء من شعور شديد الايلام ....الوحده
ولكن الامور قد تدعو الي التوتر عندما يتسلل شيطان ما بينكم ليخبرك بأن فلانا علي سبيل المثال قد قاطعك اثناء الكلام اليوم لا لشيء إلا لكي يثبت انك علي خطأ ، وانه لطالما فعل ذلك وان الامر لا علاقة له بصحة ما تقول اوبخطئه لأنك ـ في الغالب ـ لا تخطيء ، وانما له علاقة بالحقد علي ذكائك وألمعيتك التي لا تباري، الحق أننا نحب أنفسنا جدا لدرجة اننا لا نتخيل أن أحدا يمكن ان يعارضنا لأننا بالفعل مخطئين بل لا بد أن في الأمر"إنّ"! لا بد انه الحقد أو الحسد أو أي سبب آخر عدا أن نكون مخطئين!
بقدر ما كنت مرتبكا في اول مره احتك فيها احتكاكا مباشرا مع المرضي ، بقدر ما كنت سعيدا جدا لأنني ـ أخيرا!ـ أصبحت أمارس فعل الطب!
عندما يدعو لك أحد المرضي يكون هذا أمرا مبهجا جدا ،وعندما تستمع إلي شكوى مريض فقير ميئوس من علاجه فإن هذا أمر يدعو إلي التعاسة ، احد الأطباء ـ لا أذكر من ـ قال ذات مرة انه من المهم ألا يكوّن الطبيب صداقات قوية مع مرضاه الميئوس من علاجهم وبرغم قسوة هذه النصيحة الظاهرة إلا أنني أحيانا ما أري فيها وجاهة خاصة أن الطبيب يدرك مع مرور الوقت أن الطب ليس كفئاً إلي الدرجة التي كان يتصورها وان الموت كثيراً ما يسخر منا...
كنت سعيداً جداً في يوم حفلة التخرج الذي أقامته النقابة لنا واجتاحني شعور غامض في أثناء تلاوتي لقسم الطبيب،شعور هو مزيج من الفرحة والخوف والقلق ، وبعد نهاية الحفل زال شعور الفرح وسيطرت علي مخاوفي : تُري ماذا بعد؟
الآن تري حقا لم لا يمكنني تحديد ما إذا كانت سنوات الطب سعيدة أم لا ولكنني ـ بعد كل هذه السنين ـ واثق من شيء واحد : أنا لم أندم أبدا علي دخول كلية الطب...
