الجمعة، 5 ديسمبر 2008

بداية الحكايه...

من أين أبدأ الحكاية؟....
من الوقت الذي التحقت فيه رسميا بكلية الطب ؟
أم من ذلك الوقت البعييييد جدا الذي كانت والدتي لاتكف فيه عن الدعاء لي بأن أصير "دكتورا"؟..
ربما كان من المناسب في رأيى أن أبدأ من الثانوية العامة،وأنا بعد طالب في الصف الثاني الثانوي ،بشكل عام يمكنك أن تقول انني في تلك المرحلة كنت من هؤلاء الطلبة الذين لا يتميزون بشيىء علي الاطلاق ،بالتأكيد لم أكن طالبا بليدا لكن المؤكد أن مستواي لم يكن يعد بشيىء مميز علي وجه الخصوص ...،في تلك الفترة البائسة كان والدي كليهما كثيري الشجار معي وكان الشعور المسيطر عليهما باءزائي هو عدم الرضا ،وهو امر يدلك علي انهما برغم شكهما فيما يمكنني تحقيقه الا انهما لم يفقدا الأمل بعد في أنني "ربما"أفعل شيئا ما..
وانا برغم كل شيىء لست متبلد الحس الي هذا الحد ،كنت أشعر بألمهما من أجلي وبطموحاتهما الكبيرة في شخصي،وكثيرا ما كانت تنتابني نوبات من الحماسة للمذاكرة التي سرعان ما تفتر "فتعود ريما الي عادتها القديمة" وهو عيب أصيل في شخصيتي مازلت أعاني منه حتي الآن :لم أقو أبدا علي اتمام مشروع أتحمس له..
هكذا كانت تمر الأيام علي:أبوين غير راضيين ،واجتهاد لا يعد بالكثير..
المهم انني في تلك الفترة قدر لي الله ان تتوطد صداقتي بأحد زملائي القدامي ،كان علي النقيض مني تماما :شديد "اللمعان"اذا جاز التعبير،كل المدرسين يعرفونه ويعجبون به أيما اعجاب، في حين كان هو يسارع للاجابة عن أي سؤال يسأله المدرس كنت أنا أتواري خوفا من أن يختارني المدرس للاجابه،كان ثقته في نفسه وفي قدراته مطلقة في حين كان اليأس يمزقني من أن أتمكن من فعل شيىء علي الاطلاق ....
ذات يوم دار بيننا نقاش حول الكلية التي نفضل الالتحاق بها رددت في هذا الحوار الكلام المكرر عن كلية الطب وكيف انها سبع سنوات ،ومستقبلها غير مضمون ـ وكأنه يوجد شيء أصلا مستقبله مضمون ـ وكيف أن فرص السفر الي الخليج صارت أقل و..الي آخر كل هذا الكلام الفارغ الذي يدور علي السنة الجميع تقريبا ،استقبل صديقي هذا الكلام باستخفاف بالغ وسفه كل ما قلت تقريبا ثم أخذ يكيل المديح لكلية الطب ،والمدهش انه في مديحه لكلية الطب لم يحاول ان ينفي ما قلته أو أن يثبت لكلية الطب من المزايا ما لا أعرفه ، بل كل ما قاله يدور حول فكرة واحدة: كفي بكلية الطب أن تكون كلية للطب !اخذ يتكلم في حماسه عن عظمة كلية الطب وكيف انه لا توجد كلية تناظر أو تكافىء كلية الطب وان الفرق بين كلية الطب وما سواها كالفرق بين السماء والارض أو كالفرق بين النجوم وأسفلت الطريق!
كان حديثه غير عقلاني بالمرة ولكنه كان مؤثرا للغاية،كان شديد الحماسة ...شديد الايمان بما يقول الي الدرجة التي جعلتني اشاركه الحماسة والايمان بلا تردد، ثم اقترح علي وكنا قد خرجنا لتونا من المدرسة أن نذهب لنري كلية الطب!
طاوعته وانا مازالت مسكرا بكلماته برغم اننا وقتها كنا في أوج الشتاء وكان الجو ينذر بما لا يحمد عقباه.. وبالفعل .. وصلنا الي الكلية، كانت السماء قد بدأت تمطر فوق رأسينا ،لم نفعل شيئا سوي ان ظللنا نتأمل ذلك المبني الكبير الذي كتبت عليه"كلية الطب" صامتين تقريبا الا من بعض كلمات فارغه ،ثم عدنا الي بيوتنا مبللين اثر المطر وهو الامر الذي دفعت ثمنه بعد ذلك حيث اصبت بنزلة برد قوية لم أبرأ منها سريعا،برغم كل شيىء فان شيئا ما سحرني في كل هذا ..كلام صديقي شديد الحماس ..شديد الايمان ،المطر الذي ظل ينهمر فوق رؤوسنا ،ومبني كلية الطب الذي بدا لي وقتها مليئا بالغموض والاسرار والجثث التي يتم تشريحها والمرضي الذين يعكف علي علاجهم "الأطباء"بما يثيره هذا في النفس من رهبة وروعة...
كانت لحظة سحرية من تلك اللواتي لا يمكنك أن تنساهن أبدا ، وكانت هذه فيما أري ....بداية الحكاية..

ليست هناك تعليقات: